يشبه الدنيا فيقول: (أشبه الأشياء بالدنيا الظل , تحسب له حقيقة ثابتة وهو في تقلصٍ وانقباض , تتبعه لتدركه فلا تلحقه , وأشبه الأشياء بالدنيا السراب): (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ). وأشبه الأشياء بالدنيا المنام يرى فيه العبد ما يحب وما يكره , فإذا استيقظ علم ذلك أن لا حقيقة له.
ترجو البقاء بدارٍ لا ثبات لها ......... فهل سمعت بظلٍ غير منتقل ؟
حياتها رصد وشربها كدر ............ وعيشها نكدٌ وملكها دولُ
من ذا الذي قد نال راحة فكره ؟ ..... في عسره من عمره أو يسره ؟
يلقى الغني لحفظه ما قد حوى ........ أضعاف ما يلقى الفقير لفقره
فيظل هذا ساخطاً في قلّه ............. ويظل هذا ناصباً في كثره
سُن البلا ولكل شملٍ فرقة ............ يُرمى بها في يومه أو شهره
والجن مثل الإنس يجري فيهمُ ........ حكم القضاء بحلوّه وبمرّه
أوَ ما ترى الرجل العزيز بجنده ....... رهن الهموم على جلالة قدره ؟
فيسرّه خيرٌ وفي أعقابه............... همٌ تضيق به جوانب صدره
وأخو التجارة لاهث متفكّر .......... مما يلاقي في خسارة سعره
وأبو العيال أبو الهموم وحسرة الر .... جل الوحيد كمينة في صدره
ولرب طالب راحة في نومه ......... جاءته أحلام فهامَ بأمره
والطفل من بطن أمه يخرج إلى ....... غصص الفطام تروعه في صغره
ولقد خبرت الطير في أوكارها ....... فوجدت منها ما يُصاد بوكره
والوحش يأتيه الردى في برّه ......... والحوت يأتي حتفه في بحره
ولربما تأتي السباع لميت ............. فاستخرجته من قرارة قبره
تالله لو عاش الفتى في دهره ........... ألفاً من الأعوام مالك أمره
متلذذاً معهم بكل لذيذة ............. متنعماً بالعيش مدة عمره
لا يعتريه النقص في أحواله .......... كلا ولا تجري الهموم بفكره
ما كان ذلك كله في أن يفي ......... بمبيتِ أول ليلة في قبره
كيف الفعال أيا أخي في ما ترى ؟ .... صبراً على حلو القضاء ومرّه
صبراً ! فغمسة في الجنة تنسي كل شقاء وهم وبلاء , وغمسة في النار والعياذ بالله تنسي كل لذة ونعيم.
لكل شيء إذا ما تم نقصان ....... فلا يغرّ بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول ..... من سرّه زمن ساءته أزمان
كم من مؤمل أدركه الموت قبل تحقيق أمله , وكم من زرع عاش , ومات زارعه.
لما حضرت الوفاة سيبويه النحوي رحمه الله وضع رأسه في حجر أخيه ثم أغمي عليه فقطرت دمعة من دموع أخيه على خده فأفاق من غشيته متمثلاً بقول الشاعر:
يؤمل دنيا لتبقى له ............ فمات المؤمل قبل الأمل
وبات يروّي أصول النخيل ..... فعاش النخيل ومات الرجل
ثم قال لأخيه :
أخيّين كنا فرق الله بيننا ...... إلى الأمد الأقصى ومن يأمن الدهر ؟
ثم لقي الله عز وجل.
هذه هي الحياة الدنيا، والآخرة هي الحياة لو كانوا يعلمون.
إنما الدنيا هبات ...... وعوارٍ مستردّة
شدة بعد رخاءٍ ........ورخاءٌ بعد شدة